التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جنسيـة للبيع



أرهقتني مصريتي فقررت أن أتحرر..
 مشاهد عبثية أثارت بداخلي عدداً من التساؤلات الموجعة، التي أرّقت الروح وحيرت العقل، وطعنت بداخلي فكرة الهوية، ومن نكون، ولأي أرض ننتمي؟

1
 سيدة مأجورة تحمل علم السعودية، التي استولت على جزيرتي تيران وصنافير بجرة قلم، وهي تغازلهم بأن الملك سلمان طلبهما فأعطيناهما إياه، ولو طلب الأهرام لأعطيناه إياها، وأغدقت المأفونة في العطاء بأنه لو طلب أبو الهول، فله ما يريده، ما استفز كاتبة سعودية لأن تزيد في مهانة المأفونة، ولها الحق.

2

شباب يحتفل بذكرى تحرير سيناء في ميدان التحرير، وفاءً لدم الشهداء بالرقص على أشلائهم وهم يرفعون علم بلد آخر، ويغيظون بتأييدهم تسليم جزيرتين بدم بارد للسعودية، وسط من ترفع البيادة على رأسها وتحمل صورة الزعيم في رقبتها، وآخرين يلتفون حول صورة الرئيس وهم يتراقصون دلالة على التفافهم حول شخصه الذي قسّم البلاد من غير حرب، بعد خمس سنوات من الفوضى لم تفلح في تقسيم الشعب على هذا النحو.

3

 مأفون أخير يحمل صورة الرئيس في يد ويشير بالأخرى بعلامة رابعة رمز تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، في مشهد رخيص لاستقطاب شاب عشوائي بثمن بخس، يؤدي المشهد بعشوائية في مسرحية العبث الكبرى
 أو لم يهُن عليهم أن يدفعوا أكثر لكومبارس محترف ويلتقطوا لقطتهم بطريقة أفضل، بدلاً من أن يزيدوا المشهد إرباكاً ويخرجوه على هذا النحو؟!.. لكن يبدو أنه زمن الرخص في كل شيء.

4

 شعب قسمته الإدارة السياسية للبلاد لقسمين؛ من فرَّط في ملكية الجزيرتين لبلد آخر وراح يبرر، متوهماً استدعاء المنطق والحضور في ساحة الحكمة والوعي وعدم الشطط، ونسي كيف بكى الصهاينة وهم يخرجون من أرض طابا المحتلة، وأغفل صراعات العالم الناشبة بين الدول بسبب حدود متنازع عليها، وقسم آخر يُساق بشبابه وشيوخه ونسائه إلى السجون المفتوحة على مصراعيها لتمسكهم بمصريتهم ورفضهم مهانة بيع الأرض التي ترددت عبر الأمثولة المصرية الشهيرة «عواد باع أرضه».

تبرير رخيص تحت راية المنطق المغلوط لأنصاف المتعلمين الذين يحملون شهادات عليا، ولآلة إعلامية مدمرة للعقول يتقاضى قوادوها ملايين الجنيهات ويطالبون الشعب الكادح بأن يربط الحزام على بطنه، في غمرة اقتصاد منهار وشوارع تفوح منها رائحة القمع وتزعق سيارات الشرطة فيها ليل نهار لتختطف المارة سيئي الحظ الذين يمرون بمحيطها وقد أنهكتهم مصاعب الحياة.

شعرتُ بالإهانة منذ الإعلان المشئوم عن إعادة ترسيم الحدود والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وطُعنت مصريتي حينما سخر السعوديون على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وكيف أنهم لو ضغطوا لأخذوا مدينة شرم الشيخ مع الجزيرتين، والتعليقات التي تسخر من نساء مصر عبر الصورة الذهنية المريضة عن المرأة المصرية في أذهان أغلب أهل الخليج.

بعد هدوء نسبي، لم ألُم هؤلاء المستهترين، وكتب التراث العربي المليئة بالدماء تهيل التراب على مصر وأهلها، لعل أقلها بشاعة ما نُسب لـعمرو بن العاص: «ماؤها عذب، وترابها تبر، ونساؤها لعب، ورجالها مع من غلب».

ماذا جرى لشعب الأرض التى كانت طيبة، وعلّمت العالم كيف يزرع الوادي الخصيب، ويبني المعابد، وينير دروب الإنسان بالروحانية والمعرفة والعلم، ويثير ألغازاً يحار العالم في تفسيرها حتى اليوم؟!

لم يجد العالم مفراً من النيل من مصر القديمة والحط من خلودها سوى بوسمها بـ«الوثنية»، أو بتبديد علومها ونسبتها لأمم أخرى، أو باختزال وتشويه تاريخ ملوك مصر بأنهم عاثوا في الأرض فساداً، ولم يكلف أحد نفسه عناء السؤال: كيف لطاغية أن يترك أثراً خالداً يقف شامخاً في وجه مارد الزمن؟

أقف حائراً كيف صار الوادي الخصيب أرضاً بوراً، كيف استعدت الإدارة السياسية للبلاد الشعب ضد بلدهم فصاروا يبررون تسليم أرضهم للأغراب، بل وكيف جعلت منهم أعداء لبعضهم، وأوصلتهم للسباب والشتائم ونزع مصريتهم عن بعضهم البعض، كيف هُنَّا على أنفسنا، فأهاننا العالم؟!

مشاهد من العبث تحاصرني لا رابط بينها سوى الوجع والضياع، فهل صار كل شيء مباحاً للعرض والبيع فى الأسواق، وهل لي أن أعرض جنسيتي للبيع هرباً من جحيم التفكير الذى يراودني أنا ابن هذه الحضارة العريقة التى تتبدد أمام عيني وينعق الغربان في واديها الطيب؟!
يحاصرني كل هذا فأسأل: ما الوطن؟ وهل تاريخ هذه البلاد لا يستحق، وهل نحن موهمون بمصريتنا رغم ما سجّله التاريخ على جدران المعابد، طعنات تنهال على عقلي فتحرضني على أن أمزق أوراق هويتي لأرحل إلى أي بلد، لا يقيم وزناً لجنسية ما دمت مواطناً صالحاً.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

«حرب المعلومات».. العالم يتسلح بـ«القرصنة الإلكترونية»

  لم تعد الدول الكبرى بحاجة لإطلاق مزيد من الرصاص لتحسم نفوذها على منطقة ما، بقدر ما هي بحاجة لحرب المعلومات والأفكار التي تستثمرها لدفع وتحشيد دول أخرى لتخوض حربا بالوكالة عن مصالحها. ولعل هذا ما دفع وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر للتشديد أمام لجنة ميزانية في الكونجرس الأمريكي على أن “الحرب الإلكترونية أصبحت أكثر تطورا وقساوة بشكل متصاعد ومرعب”، واقترح زيادة الميزانية المخصصة للحرب المعلوماتية إلى 6,7 مليار دولار في عام 2017، بينما طالب نائب بالكونجرس الأمريكي يدعى آدم كنزنجر بوضع ميزانية بقيمة 20 مليون دولار خلال العشر سنوات القادمة، لإنشاء مركز تحليل للمعلومات والتقارير المعادية للولايات المتحدة، وقال «علينا كدولة معرفة كيف نكسب حرب الأفكار، دون إطلاق المزيد من الرصاص، هكذا نفوز بالحرب الباردة»، فماذا صنعت القرصنة الإلكترونية في العالم، وكيف غيرت إدارة الصراع بين الدول، خاصة بعد تورط روسيا في حسم نتائج الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، واختراقها للحزب الديمقراطي حسبما أقر الأخير . سفير روسيا في أمريكا يخوض ترامب صراعا مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية حول القرصنة

هل تكرهنا الحيــاة؟!

يـُروى فى الأثر الشعبي أن كثيرا من المصريين حينما يضحكون حتى تمتلئ عيونهم بالدموع، يتوجهون بحديثهم إلى الله “خير اللهم اجعله خير”، ويظلون دائما فى انتظار وقوع كارثة، وكأن الفرحة الغامرة التى أحالت ضحكتهم بكاء خطيئة اقترفوها، وها هم في انتظار أن يُـنزل القدر عقابه على سعادتهم . فهل نحن شعوب تكره الحياة وتهابها إلى هذا الحد؟ 1 حينما يمر أحدنا بلحظات من السعادة مع الأهل أو الأصدقاء أو يحقق نجاحا ما، يظل يترقب المجهول، وينتظر من القدر مفاجأة غير سارة، تـُحيل حياته جحيما، فهل أصابنا القلق وتمكنت المخاوف من عقولنا، فأصابتنا الهلاوس، وصار المجهول شبحا يطارد عقولنا، ونال من سلامتنا النفسية والعقلية، وصرنا نصارع طواحين الهواء في الشوارع والأسواق، ونعيش خائفين من أوهام تحجبنا عن الحياة وتحجب الحياة عنا . 2 صارت الوجوه عابسة، والقلوب غاضبة، وبراح الأرواح معلق بخرم إبرة، بات الشك والريبة والترقب هى المشاعرالتى يصدرها بعضنا لبعض، وحين نلمح شُـبهة ابتسامة على وجه من الوجوه، قد نتهمه بالمرض العقلى، ونردد وتطيب الحياة لمن لا يبالي، بل قد يصل بنا الأمر لمطالبتنا باعتقاله مجتمعي

الشباب فـي زمن الشك

لم يعد جيل الشباب في مصر يبالي بالمسميات وبالمصطلحات الموحية بالمعرفة في ظاهرها، ليس عن جهالة، بل لأن ما رأوه من أهوال ومفارقات ومتناقضات خلال  تعاقب 4 أنظمة رئاسية  في 6 سنوات حتى الآن علَّمهم أن العبرة بالنتائج، وأن ما يتحقق على أرض الواقع هو الميزان الحقيقي لقيمة ما يقال، أما ما عدا ذلك فمجرد شعارات زائفة لسنا بحاجة إليها. في بداية العام تم إعلان 2016 عامًا للشباب، وكان الشعار: “بقوة شبابها تحيا مصر”، إيمانًا من الدولة بأهمية الشباب فى صياغة الحاضر وصناعة المستقبل، مرت الأيام وتم اعتقال عدد من الشباب في حملات عشوائية سبقت أحداث “جمعة الأرض” التى لم تمر سوى باعتقال عدد آخر. جرت أحداث كثيرة ليس آخرها ما حدث بعد اختيار فيلم “اشتباك” للمخرج الشاب محمد دياب في قائمة أفضل 10 أفلام في مهرجان كان السينمائي، إذ عرض التليفزيون المصري تقريرا عن دياب مفاده التخوين وعداوة الدولة.. دياب لم يكن أوَّل من تُشوَّه سمعته ولن يكون الأخير،  فالقوسان مفتوحان ضيفوا بينهما مَن شِئتم. جيل الشباب لم يشهد أوهاماً كثيرة صدَّرتها الدولة لأجيال سبقتهم على أنها انكسارات خرجت من رحمها انتصارات عظي