التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«نساء الصعيد».. شهرزاد تروي أسرار الجنوب

 ما إن تنطق الشفاة بكلمة صعيد مصر إلا وتستدعي الذاكرة كثيرا من حكايا وأسرار الجنوب التي تُــؤثر الصمت وتتدثر بالغموض المهيب كـ”مقبرة فرعونية”، بحاجة لأثريّ يتسامر معها طويلا، ويـُخرجُ من جدرانها الكنوز المخبوءة تحت طلاسمها، والتي تمتلك نسوة الصعيد كثيرا من أسرارها، لتلعبن في السيرة دور شهرزاد التي “خُلقت لتـَروي، وحكت لتعيش”، في مرويات أشبه بما دار في  ألف ليلة وليلة، دونتها الكاتبة سلمى أنور في كتابها المعنون بـ”الصعيد في بــَــوح نسائه”.. فبعدما أخذن نسوة الجنوب العهد على “الفتاة” باحوا لها بالأسرار، وروين لها عن “زَرِّيعة الغولة” التي تتغذى على رفات الموتى، وأخبرتها أخرى عن نذر الجدة لـ”عرائس النيل” أو ملائكة البحر، حتي تأتيها الملائكة في المنام، مرويات كثيرة بلغت ما يزيد على الـ24 حكاية روتها نسوة الصعيد لحفيدة من حفيدات شهرزاد، سجلتها بدورها بين دفتي الكتاب، ليظل صدى الأسطورة والحكاية يتردد في معبد الموروث والتراث المصري.




ما روته النساء

المرأة تملك أصل الحكايات القديمة والأساطير، فإذا أردت أن تعرف تاريخ وثقافة ووعي مجتمع فابحث عن المرأة سيخبرك شأنــُـها بكل شيء”.

هذا ما سجلته الباحثة سلمى أنور عما ورد بين دفتي الكتاب على لسان أسماء مستعارة استخدمتها التزاما بالعهد الذي قطعته مع بني جنسها من نساء الصعيد، تنوعت هذه الأسماء بين (ورد وعزيزة، وصلاة، ونهر…إلخ)، أظنها أوصاف أقرب منها إلى كونها أسماء، وبين حروف السيدات (راء، وصاد، وميم)، كشفت خلالهن أساطير وخرافات ونذورا وأولياء ومشعوذين، لتضيف مزيدا من الحكايات المروية لتاريخ الموروث المصري التي أوشك على الاندثار في ظل العولمة، ليتجاور إلى جانب ما تم “توثيقه وتأريخه لموروث الصعيد من أمثال وأهازيج وحكايات، حارت هى شخصيا، رغم معايشتها شخوص الرواية أن تنسبها إلى أصل في “مجتمع شديد التعقيد الطبقي والقبلي، يتنوع بين المكون الفرعونى والقبطي والعربي والإسلامي، وكأن القارئ يشاهد عالما مسحورا تماما كعالم حكايات الليالي الألف”، بحسب سلمى.



الكتاب، البالغ عدد صفحاته 236، من القطع المتوسط، مقسم إلى جزءين، أولهما حكايات النساء في مجالس النساء، وفيه سجلت الكاتبة حكايات الفتيات والنساء، (متعمدة أن يكن من مختلف الأعمار والثقافات والطبقات الاجتماعية) عن هوايتهن، وأحلامهن، وأحزانهن، وعن الحب والزواج، والإنجاب، والطلاق، والفقر، وجاء الجزء الثاني ليروي عن وعى السيدة الصعيدية بموروثها من عادات وطقوس منها عادات الطهور والزواج والموت وأسرار الخصوبة والعلاج بالأعشاب وحكايات العوالم غير المرئية".

تروي حفيدة شهرزاد: “أن حكايات هؤلاء النسوة لما تفارقها على الإطلاق حتى هذه اللحظة، وذكرت تفاصيل العام الذي التقتهم خلاله: (مدة تجميع المادة كانت سنة متقطعة، حيث كنت أعود إلى القاهرة، ثم أعود مرة أخرى إلى الصعيد، وأظل هناك شهرين أو ثلاثة ثم أعود مرة أخرى وهكذا).

تابعت: أول مرة حاولت أقعد معاهم، وأخرج من جواهم كلام، كان فيه حالة من  الممانعة القوية لدى بعض السيدات، وهناك بعض النساء لم يتحدثن معى على الإطلاق، وبعضهم تحدثن بوسيط، (أي تقوم بقص قصتها على جارتها  وتقوم جارتها بسرد القصة لي).

وأشارت سلمى أن الكتاب جزءان، جزء منه ربما يدعو للخجل لأنه عبارة عن حكايات النساء في مجالس النساء، وهى مجالس مغلقة يتكلمون فيها عن الحب والفقر والجنس والعنف حكايات النساء فى مجتمع مغلق لم تسمعها إلا إذا جلست فى مجلس نسائى مغلق.

والجزء الآخر كان جلسات مفتوحة، لم تكن سيدة واحدة فقط تروى لى، ولكن مجموعة من النساء بلغ عددهن في بعض المجالس 30 سيدة،  يجلسن ويحكين عن الخرافات، مرويات عن آثار الفراعنة يجدوها تحت الأرض، وينقبوا عنها، وأخرى تحكي عن سطوتها النسائية، وقدرتها على تدبير أمورها، وتدبير أمور العيلة، وفتاة تحكي: “أنا بحب حكاية جدتى حميدة اللى حكت لى فيها قصة الأمير اللى خطف حبيبته الفقيرة”، فتقول الفتاة “أنا عايزة أحب الحب اللى حكت لى عنه جدتى حميدة".



في البدء كانت الدهشة

وقعتُ أسيرة سطوة الحكاية، وأعترف أني فقدت توازنى البحثى، كل معايير وأدوات البحثية العلمية تسقط أمام قوة الحكاية، التي هزمتني رغم خلوها التام من المنطق، هزمت الطفلة اللى جوايا المتعطشة لسماع حكاية العفريت والورادى اللى بيطلع يقتل الناس بليل، حكايات مفزعة لكن الطفلة بداخلك عايزة تسمع “… على هذا النحو اعترفت سلمى في فاعليات حفل التوقيع الأول للكتاب.

الصعيد بكل ما تخفيه لغته من استعارات ومجازات وأساطير، كان كفيلا بإيقاظ الطفلة داخل الفتاة الثلاثينية التي اعتقدت أنها تشبعت دهشة من السفر إلى أوروبا وأجزاء من الوطن العربي وشمال أفريقيا وآسيا، رأت خلالها عادات وتقاليد ومعتقدات أنماط مختلفة من البشر.

بدأ المشروع بتناول كوب شاي أثناء رحلة سلمى إلى أسوان، دُعيت إليه بصحبة نساء من أهل الجنوب، تبادلن خلاله حكايات أصابت الكاتة والباحثة في علم الاجتماع بالدهشة عن مجتمع اكتشفت أن الأسطورة مدخله، لتصيرا جزءا من الرواية من دون أن تدري، عبر رحلة بحثية استغرقت عاما كاملا، ذهابا وعودة بين الصعيد والقاهرة، تنوعت بين 4 محافظات هى (أسوان وقنا وسوهاج وأسيوط)، وبين ما يقرب من 10 قرى جنوبية في المافظات الأربعة.

طرقت الكاتبة أبوابا، وعبرت سراديب العالم المغلق على ذاته أمام الأغراب، بعدما تمكنت من اختراقه، وجلست إلى نسائه، وتحدثت معهن عن قرب، إذ قررن تبادل لعبة التساؤلات، لتكشف عن كواليس امراة الجنوب التي كانت تظنها شبيهة لها هى ابنة المدينة.


سلمى أنور، من مواليد القاهرة عام 1981، حصلت على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2002، وعلى درجة الماجستير من أيرلندا عن أطروحة: “مفهوم الجهاد في العلاقات الدولية الحديثة”، كما ناقشت أطروحة ثانية في جامعة القاهرة تحت عنوان: “الأجيال الجديدة من المسلمين في أوروبا بين الاستيعاب والأسلمة”، زارت عدة دول أوروبية منها مالطا وأيرلندا، وعاشت في الدنمارك عددا من الأعوام، صدر لها كتاب “الله الوطن.. أما نشوف” في 2009، رواية نابروجادا في 2015، وتستعد لإصدار ديوان “سوف أعيد طروادة إلى أهلها ثم أحبك".

تقول سلمى: “كنت أحسب أني ساجد فتيات كمثلي لهن تاريخي وتطلعاتي وهمومي وأسئلتى  وقناعاتي، لكن في الحقيقة وما إن لاَن الصمت وتدفقت حكايات النساء حتى بدأت أعي أن وراء المحكي مسكوتا عنه، يمثل في ذاته منظومة فكرية مغايرة تماما عما تشكل لدي، ولدى من نشأن على مثل خلفيتي الأسرية والتعليمية من أبناء الطبقة الوسطى في المدينة، ذلك الاختلاف العميق كان تحديا في حد ذاته".

عن المصاعب التي واجهتها تقول الفتاة القاهرية: “كان علي أولا أن أقنعهن بالحديث إلي، وأن أعرف كيف أدير مفاتيح الحديث مع من ارتضت منهن الحكي لي، كان على أن أقنعهن بمظهري غير المألوف لهن، وبلهجتى القاهرية التي كانت تثير تعليقاتهن الضاحكة، بأني قادرة تماما على استيعاب مفردات عوالمهن وأني جديرة بأن يطلعنني على خوافي عقولهن وقلوبهن، هن اللاتي تربين غالبا على التكتم والتحفظ".

أصابت سلمى الدهشة مرة ثانية، بعدما اكتشفت أنهن “في الغالب مستعدات للحكي، كأنهن كن ينتظرن منذ قرون، أو هكذا كان الحال بالنسبة لبعضهن على الأقل، فقد بدت لى بعض النساء كما لو كن بحاجة إلى أن يُسألن، وأن يـُسمعن، أو لأن يَسترجعن مع السامع أشياء قديمة فقدنها تحت ركام الحياة اليومية الرتيبة، كل ما تطلب مني شيئا من المثابرة، وتعقب الحديث.. ومع بعض النساء كان علي أيضا أن أمنح كثيرا من العهود بألا أسيء استغلال حكايتهن بأي صورة من الصور التي قد تؤذي سمعتهن أو عائلاتهن أو قبائلهن”.

عامل اللغة أيضا كان من بين المصاعب التي واجهت سلمى “غريبة البحراوية”، كما لقبتها إحدى السيدات: “ظللت خلال تجربتي أدوِّن المفردات الغريبة على أذني، والتشبيهات الغريبة والجديدة، مستفسرة ما وراءها من معاني وإشارات خافية".



الأسطورة مدخل الجنوب الساحر

حكايات هولاء النسوة لما تفارقني على الإطلاق حتى هذه اللحظة.. النساء كانوا أشبه بيأجوج ومأجوج.. سور كبير وراه حكايات تفوق الخيال”..

تلتقط سلمى أنفاسها تروى: (حكايات كتير رسمتها في مخيلتي قبل قعدتي معاهم، حكايات عن العنف الأسري وتعدد الزوجات، لكنى فوجئت بقصص عن عالم السحر والربط، وأخرى عن الخصوبة والخلفة، وقصص عن جرائم الشرف، وسيدة تركها زوجها لأنها أنجبت فتاة فحسب. وبين الألم والدهشة، سجل قلمي بوح نساء الصعيد".

دخلت ابنة المدينة دوامة الدهشة وهي تسمع عن “الأطياف والأرواح والأشباح”، التي تقول عنها: “لكثرة ما لملمت من حكايات ذات طابع غيبي، أكاد أجزم أن ما من بيت جنوبي يخلو من حكاية أبطالها كائنات نصف مرئية شبة مسموعة، أو على الأقل أشخاص طبيعيون بقدرات روحية غير طبيعية”، فـ”المرأة الصعيدية علاقتها بذاتها وبالموروث بل وبالكون تظل بكرا رغم مظاهر المدنية التي تحيط بها من كل حدب وصوب".



توضح سلمى أن: “الخرافة حاضرة في مجالس النساء والرجال بالصعيد، فهى قابعة فى كل إنسان، وستجد في وعي أكثر الناس إلحادا، طبقة فيها خرافة وفيها غيب.. وهناك خوف من المجهول فى وعيهم أيضا”، وأشارت إلى أن المكون الفرعونى فى الخرافة بارز، فيعطيك القدرة على رؤية أصالته فى الست الصعيدية عندما تقوم بخبز العيش الشمسى فتقول لك: أنه مدرو على هيئة الاله أمون كما ورثته عن أجدادها".

أشارت أيضا إلى وجود المكون القبطي والإسلامي، بل والتداخل المعقد بينها، إذ ذكرت لها سيدة مسلمة أنها محسوبة على السيدة مريم العذراء، (أى أنها حسيبة لها أو ابنتها الروحية، تلقت منها الرعاية الروحية وظهرت لها فى المنامات، وأسرت لها بأسرار أثناء مرضها).

تحكى أنها رأت السيدة العذراء، وفي وقت أصيبت بمرض غريب وغير مفهوم للأطباء، وعلى أثره وقعت كل شعرة من جسدها بدون أى تفسير، فرأت نفسها بالمرآة كأنها مسخ بلا شعر، ذهبت للكثير من الأطباء فى أماكن عديدة، وفشل الجميع فى مداوتها، لم يبق أمامها إلا طلب العناية من الغيب، فجاءتها السيدة مريم العذراء فى المنام وطلبت منها أن تذهب لدير معين، أمام أيقونة معينة، تسلم على الأيقونة، وتطلب أن تتوضأ وضوء المسلمين بماء الدير، وده اللى حصل بالفعل، وذهبت وتوضأت وذهب عنها المرض وبرأت".

تستطرد سلمى:  “هذه الرواية أكدتها جارتها القبطية، وزادت: إن أبونا كاهن الكنيسة لما عرف حكاية هذه المرأة حكاها لنا، وقالنا: “يا خايبين ما أنتم لو بتعبدوا ربنا عدل  كانت جات لكم  السيدة العدرا فى المنام وماكنتش راحت للمسلمين.
السيدة القبطية روت لها أيضا عن مسلم ندر استخفافا بالغيب،  فقال: “ندرا علي لو ابنى خف من المرض، هجمع شوال من قشر بصل على ذمة مار جرجس، ابنه برأ من المرض، فذهب لكاهن الكنيسة، وقال له: “أنا ندرت والندر حصل، وأنا عليا عهد دلوقتى، أنا أجمع شوال قشر بصل منين؟ قال له الكاهن: “عهدك ونذرك ومصيبتك، تلف على البلد بقى دار دار دلوقتى وتلم قشر بصل من الستات”، وقد كان، واعتبروه عبرة للبلد.


ربات الطبيعة
المرأة الصعيدية على علاقة قوية بمفردات بيئتها ومتصالحة تماما مع الكون ذاته، حسبما رصدت الباحثة، صحيح أنها لا تجهد نفسها في فك شفرات الكون وقواه الخفية، لكنها غير فاقدة الحيلة في درء أي من القوى الشريرة التي قد تترصد صغارها، وفقا لسلمى.




تتابع سلمي: أن سيدة الجنوب دوما تمتلك طقسا تعتقد بممارسته أنها قادرة على تطويع القوى الشريرة التي قد تسعى لإيذائها، أو تدفع به قوى السحر والشر الخفية، أو تكشف المحجوب تحسبا لما سيأتي: “هناك دوما قراءة أو طلاسم أو تميمات قادرة على جلب البركات ورد الحسد، وإذا ما لزم الأمر هناك المبروكون القادرون على مطالعة النفوس وتأليف القلوب وتفريقها".

ترصد الباحثة أيضا كيف أن المرأة الصعيدية معتزة بذاتها وبمعارفها التي “تجيد تمريرها لأبنائها فتبني رجالا بـ”شوارب” كثة يعرفون كيف يخضعون نساءهم في المستقبل!، في حين أنها بالتوازي وسرا تربي بناتها على ألا يخضعن لرجالهن إلا بما يسمح العرف، وتقتضي الأصول، وتدربهن على التسرب إلى دواخل هؤلاء الرجال، ومعرفة متي وكيف يجب عليهن التدخل بالفعل كى يَسقن مصائر هؤلاء الرجال، ومعها مصائر بيوتهن وأبنائهن".


سجلت الكاتبة أيضا الحضور النسائي الطاغي في الثأر من وراء الكواليس وأحيانا في العلن، رصدت عبر الحكايات كيف تكون المرأة “محركا للثأر وحاضنة ومـُورِثة له من جيل إلى جيل، بل ومؤججة لنيرانه، على الأقل بالـ”عِديد”، بكسر العين بحسب نطق أهل الجنوب، وهو رثاء حار لقتيل العائلة، وقد يصل الأمر إلى تنفيذها الثأر بيديها، وفي أوقات تصل حد الندرة قد تمنع بحور الدم من التدفق بحسب صنيع الجدة “مزيونة” التي أنهت معركة ثأر بتوجيه صفعة لواحد من كبار العائلة المعتدية بعد اختراق الصفوف:

خلاص.. فضينا! خبطتونا كف وخبطناكم كف؟؟ كل واحد يروح يشوف مصالحه عاد!”.  وانفض بعدها الجمعان، بحسب رواية الحفيد الأربعينى للكاتبة التي أشارت إلى أنه (من الرجال الجنوبيين القلائل الذين جلسوا للحديث إليها).


في النهاية يظل الجنوب أقرب إلى معبد فرعوني، لايزال يملك التاريخ والحكايا والأسرار، وإن كان الكتاب رفع الستار عن بعض المسكوت عنه في المعبد الجنوبي، وكشف وجها من وجوه الصعيد المتعددة التكوين الحضاري والثقافي والمعرفي، فإن عجائز الجنوب لايزلن يحفظن الكثير والكثير من “العدودات وأهازيج الزواج والمعتقدات المتعلقة بالسحر وفكها وبأسرار الحياة والموت”، كما يليق بكاهنات هذا المعبد المهيب، والتي لم تدون بعد، وبحاجة لمن يـُـخرجها إلى النور قبل أن تصير غنيمة في قبضة النسيان.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

«حرب المعلومات».. العالم يتسلح بـ«القرصنة الإلكترونية»

  لم تعد الدول الكبرى بحاجة لإطلاق مزيد من الرصاص لتحسم نفوذها على منطقة ما، بقدر ما هي بحاجة لحرب المعلومات والأفكار التي تستثمرها لدفع وتحشيد دول أخرى لتخوض حربا بالوكالة عن مصالحها. ولعل هذا ما دفع وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر للتشديد أمام لجنة ميزانية في الكونجرس الأمريكي على أن “الحرب الإلكترونية أصبحت أكثر تطورا وقساوة بشكل متصاعد ومرعب”، واقترح زيادة الميزانية المخصصة للحرب المعلوماتية إلى 6,7 مليار دولار في عام 2017، بينما طالب نائب بالكونجرس الأمريكي يدعى آدم كنزنجر بوضع ميزانية بقيمة 20 مليون دولار خلال العشر سنوات القادمة، لإنشاء مركز تحليل للمعلومات والتقارير المعادية للولايات المتحدة، وقال «علينا كدولة معرفة كيف نكسب حرب الأفكار، دون إطلاق المزيد من الرصاص، هكذا نفوز بالحرب الباردة»، فماذا صنعت القرصنة الإلكترونية في العالم، وكيف غيرت إدارة الصراع بين الدول، خاصة بعد تورط روسيا في حسم نتائج الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، واختراقها للحزب الديمقراطي حسبما أقر الأخير . سفير روسيا في أمريكا يخوض ترامب صراعا مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية حول القرصنة

هل تكرهنا الحيــاة؟!

يـُروى فى الأثر الشعبي أن كثيرا من المصريين حينما يضحكون حتى تمتلئ عيونهم بالدموع، يتوجهون بحديثهم إلى الله “خير اللهم اجعله خير”، ويظلون دائما فى انتظار وقوع كارثة، وكأن الفرحة الغامرة التى أحالت ضحكتهم بكاء خطيئة اقترفوها، وها هم في انتظار أن يُـنزل القدر عقابه على سعادتهم . فهل نحن شعوب تكره الحياة وتهابها إلى هذا الحد؟ 1 حينما يمر أحدنا بلحظات من السعادة مع الأهل أو الأصدقاء أو يحقق نجاحا ما، يظل يترقب المجهول، وينتظر من القدر مفاجأة غير سارة، تـُحيل حياته جحيما، فهل أصابنا القلق وتمكنت المخاوف من عقولنا، فأصابتنا الهلاوس، وصار المجهول شبحا يطارد عقولنا، ونال من سلامتنا النفسية والعقلية، وصرنا نصارع طواحين الهواء في الشوارع والأسواق، ونعيش خائفين من أوهام تحجبنا عن الحياة وتحجب الحياة عنا . 2 صارت الوجوه عابسة، والقلوب غاضبة، وبراح الأرواح معلق بخرم إبرة، بات الشك والريبة والترقب هى المشاعرالتى يصدرها بعضنا لبعض، وحين نلمح شُـبهة ابتسامة على وجه من الوجوه، قد نتهمه بالمرض العقلى، ونردد وتطيب الحياة لمن لا يبالي، بل قد يصل بنا الأمر لمطالبتنا باعتقاله مجتمعي

الشباب فـي زمن الشك

لم يعد جيل الشباب في مصر يبالي بالمسميات وبالمصطلحات الموحية بالمعرفة في ظاهرها، ليس عن جهالة، بل لأن ما رأوه من أهوال ومفارقات ومتناقضات خلال  تعاقب 4 أنظمة رئاسية  في 6 سنوات حتى الآن علَّمهم أن العبرة بالنتائج، وأن ما يتحقق على أرض الواقع هو الميزان الحقيقي لقيمة ما يقال، أما ما عدا ذلك فمجرد شعارات زائفة لسنا بحاجة إليها. في بداية العام تم إعلان 2016 عامًا للشباب، وكان الشعار: “بقوة شبابها تحيا مصر”، إيمانًا من الدولة بأهمية الشباب فى صياغة الحاضر وصناعة المستقبل، مرت الأيام وتم اعتقال عدد من الشباب في حملات عشوائية سبقت أحداث “جمعة الأرض” التى لم تمر سوى باعتقال عدد آخر. جرت أحداث كثيرة ليس آخرها ما حدث بعد اختيار فيلم “اشتباك” للمخرج الشاب محمد دياب في قائمة أفضل 10 أفلام في مهرجان كان السينمائي، إذ عرض التليفزيون المصري تقريرا عن دياب مفاده التخوين وعداوة الدولة.. دياب لم يكن أوَّل من تُشوَّه سمعته ولن يكون الأخير،  فالقوسان مفتوحان ضيفوا بينهما مَن شِئتم. جيل الشباب لم يشهد أوهاماً كثيرة صدَّرتها الدولة لأجيال سبقتهم على أنها انكسارات خرجت من رحمها انتصارات عظي